صفة ضراءة طائر الباز

صفة ضراءة طائر الباز

لمحةٌ لابد منها

البيزرة على وزن البيطرة و هو علم أحوال الطيور الجوارح في صحتها و في علتها. و يُقال أن الكلمة فارسية الأصل تم بعد ذلك تعريبها و معناها: صاحب طائر الباز. و البيزرة رياضة الملوك و حسب المسعودي فبطليموس التالي للإسكندر هو أول من قام بترويض طائر الباز و إستعمله للصيد. لتتحول بعد مرور الأزمان إلى وسيلة إسترزاق و كسب للأقوات بين أهل البوادي و المدائن و صارت ركن قائم في الدول يُخصصون له الوقت و المال كالذي كان يُخصص لترويض الخيول و كلاب الصيد و الجِمال و البغال أيام الحروب كما في أيام العوافي…

لا يُعرف مؤلف لكتاب البيزرة لأنه جرت العادة بين لصوص الكتب و المخطوطات إلى نزع الصفحة الأولى و إستباحة باقي الأوراق. و يروج أنه في أخر صفحات المخطوط أن مؤلفه: السيد بازيار العزيز بالله نزار الذي عاش في مصر أثناء حكم الفاطميين.

صفة ضراءة طائر الباز

كتاب البيزرة - تأليف بازيار العزيز بالله (تحقيق محمد كرد علي) 1953

إذا وقع البازي إلى الصياد فسبيله أن يخيط عينيه، ويأخذه البازيار فيسبّقه ويغسل جناحه ويحمله على يده ستة أيام إلى أن يكلب على الطُّعم فإذا كلب على الطعم شرّقه، وقعد به في السوّق عند العشاء، وليُطل القعود ليسمع وقع الحافر إلى أن يمضي من الليل ثلاث ساعات أو نحوها ثم يرده إلى بيته ويعود به مع الأذان الأول إلى السوق، فيجلس به وهو مشرّق فإذا تكامل كلَبه، فأعمد إلى عينيه عند العِشاء فأفتحهما، ولا تُزله عن يدك إلى أن يمضي من الليل ست ساعات، فحينئذ تقوم به إلى البيت وتشدّه، فإذا كان الأذان الأول فأحمله على يدك إلى أن تصبح ولا تتراءى لك الوجوه، فأنه إذا رأى المارّ والجائي قبل أن يأنس أضطرب على يدك، وخذ شقة من حمام فأطعمه منها ما أكل، فإذا تم كلبه على الطعم فخذ له الحمام وأجعله في طوالة وأرمه له، فإذا أخذه فأذبحه في كفه، وأطعمه منه ما أكل، فإذا عملت به ما رسمناه وأخذ، فأركب الدابة، وليكن معك آخر راكباً، ومعه حمام وطِوالة، وأشدد البازي في الطوالة، وأمدده إلى قدام وأدعه إليك، فأن جاءك فأذبح في كفه وأشبعه مكانه، فإذا عملت به ذلك ثلاثة أيام وجاءك كما تريد، فلقفه في اليوم الرابع الحمام، فإذا أخذه فأذبحه في كفه، وشق منه شقة وأركب الدابة، وصح به إليك مرة ومرتين، فإذا جاءك فأشبعه، وأفعل ذلك به مراراً، فإذا صار يجيئك ولا يتأخر فجرده من سباقيه ولقفه، فإذا جاءك فأشبعه، ولا ترد منه غير ما عمله إلى غد، فاستجبه إلى الدابة فإذا جاءك من النخل وغير النخل (كذا) ووثقت به فألزمه الركوب في السحر، والطعم في الغيط، وما شاكل ذلك وكن ماراً وراجعاً بين الناس فإذا هدأ وأردت ضراءته على طير الماء فأعمد إلى طيرة ماء من البلق فخذها معك في الخريطة، وأخرج إلى الصحراء، وأشددها في الطوالة وحركها، ليراها البازي ودعه ينتفها، ثم خذها وأسترها عنه، فإذا كلب على طلبها فأرمها له، فإذا أخذها وذبحها في كفه، وخلّه ينتفها، فإذا شبع من نتفها فأخرج له قلبها، ومن الحمام ما يكفيه، فإذا كان غد ذلك اليوم، فأخرج به ولتكن معك طبرة ماء وأره إياها، فإذا رآها في يدك فخذ جناحيها وأرمها إلى فوق، فإذا أخذها فأعمل به في غد ذلك اليوم مثل عملك به في أمسه، فإذا أخذها فكن من غد في سترةِ، وأعط إنساناً طيرة ماءٍ، ومُرْه أن يقف في خليجٍ فيه ماء، وليكن مستتراً عنك، وليكن الطبل معك، وأجعل العلامة بينك وبينه أن يُطير ما معه إذا كنت سعلت، فإذا فعل فأنقر في إثره الطبل، فإذا أخذها أخذاً جيداً، وكلما أخذ أشبعته فأخرج إلى الغيط به، وأطلب ساقية لطيفة وأرسله على طير الماء فأنه يصيد إن شاء الله

فإن صاد فأشبعه وأن أخطأ فأرم في كفه وأذبح في رجليه وأشبعه، فأنه يصيد غد يومه فإذا صاد وشبع خمساً أو ست شبعات فأنه يبدأ بالكبار من الأرانب والغربان والكروان والحُباري والأوز والنحام وبوقير والمطرّفات والملاعقي والعُبّال، وأن خرج إلى موضع فيه الدراج ووقع بهم لم يرجع عنهم لأن الدراج من صيده، فمتى كنت في بلد فيه الدراج والحجل فلا ترسل على غيرهما فأن طير الماء يفسد البازي إلا أن لا تصيب (؟) غير طير الماء فصده. ولقد كان لي بازي وكان غطرافاً لا يساوي عند لاعب عشرة دراهم، مكسّر الريش، وكان آخر السنة فأوصلته، وكنت أصيد به الغربان البقع، ثم جاء قصال القرط فصاد العبابلة، ودخل القرنصة. وهو فرخ أحمر وخرج خيراً مما كان، وكان مولانا صلى الله عليه وعلى آبائه سماه صوفة البحر

ثم طيّرت له طير الماء فصادها. ولقد ركبنا إلى الصيد يوماً فنحن بشبرنمنت بعد العصر، إذ رأينا في الغيط مكاحل وبلشوناً، ورهطتين وكان البازي جائعاً، فدرت عليهم واستقبلت الريح وأرسلته، فدخل إلى الرهطي الواحد فحمله، وكان رأسه محلّى، فلما جاء به إلى الأرض نجله في عينه تحت السواد في الصفرة، فأطبق عينه ولم يفتحها ساعة طويلة، حتى ظننت أن عينه تلفت ثم فتحها بعد ذلك، وقد نفذ إلى الحبة وأشبع، وانصرفنا ونحن على غاية من الغم به، فبعد ثلاثة أيام ركب عينه بياض فبطّلناه إلى أن زال ما كان على عينه، وكان دواؤه العَذِرة اليابسة المسحوقة، تنفخ في عينه بأنبوبة، وأخرج بعد ذلك إلى الصحراء فصاد أخضر وبيضانيين، ثم عبرنا على خليج فرأينا فيه بلشوناً فدرت عليه ومن معي يقولون أما تخاف الله؟ فلم أجبهم، واستخرت الله جل وعز ثم رميته عليه فصاده، وأخذ رأسه، فعدوت إليه فذبحته، وأشبعته عليه وانصرفنا، وقد قام في نفوس البيازرة ما مثله يقوم

ثم أنا بعد ذلك ركبنا إلى الصيد وكان معنا فصاد أخضر وديرجاً ودخل إلى الرمل فصاد كروانة وصاد الباشق كروانين ونزلنا إلى الابليز فرأينا قطعة كراكي فذكرت اسم الله تعالى ورميته عليها. فدخل إلى الأقرع منها فحمله، وجاء به إلى الأرض فغدوت إليه وأشبعته عليه، ولم أر في المدة التي لزمت فيها الصيد، ومبلغها عشرون سنة، إلى أن صنفت كتابي هذا في علم البيزرة، مثل هذا البازي على كثرة ما رأيت منها إلا خمسة بزاة كانت تصيد الكراكي وهذا سادسها

ولقد وصل إلينا في ليلة واحدة مائة باز من الشرق والغرب وكم تُراه أن يصل في كل سنة منها ومن غيرها محمولاً إلى مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه. مما لم يحمل إلى ملك قبله كثرة وجَوْده وكل ذلك أتولى تدبيره وأمارس تضريته والاصطياد به، وإذا كان هذا الفعل مستكثراً من بازي في طول هذه المدة حتى صار مستطرفاً غريباً في جنسه عند من شاهد منها الكثير فحسبك

وقد ذكرنا أن البواشق تفعل مثل هذا دائماً (وهو) غير مستكثر منها ولا نادر فيها لأنها تصيد الغربان السود والبقع والمكاحل والبيضانيات والخضر والغُرّ، والبازي أشد من الباشق شوكة، وأقوى جسماً، وإذا كان الباشق يصيد ما يصيده البازي فقد وجبت له الفضيلة على البازي، ووضحت حجتنا في تقديم البواشق لما شاهدناه منها ولا شبهة على متأمل في صحة ما ذكرناه

ولقد كان لنا باشق مقرنص جُبِلَ له من الفراهة على طير الماء ما يجوز الوصف، وذلك أنه يكون على يد مولانا صلى الله عليه فيمر به إناث الخضر من طير الماء، مدلاّة الأرجل لتقع في الماء، فيرميه صلى الله عليه عليها عراضاً، ويضع له الطبول فيدخل إليها فيصيدها، وهذا من أحسن ما يكون، فبهذا الفعل وأشباهه وجب أن نقدمه على البازي إذ كان في الصحراء لا يصيد إلا العصافير فإذا نقل إلى هذه الطرائد العظيمة أتى فيها بالبدع

وقد كان سبيل البازي وهو ملك الجارح أن يتزايد صيده أضعافاً، ليكون بالفضيلة أخص، لأن الفضيلة في هذا الحيوان لا تكون إلا بأفعاله وخواصه. وقد كان يجب إلا تخرج السنة أو يتقرنص من البزاة على التقليل خمسة على الكركي. وقد ذكرنا كيف تُضرى مذ تكون وحشية إلى أن تصيد وتبلغ النهاية، ونحن نذكر ما تحتاج إليه في القرنصة مبيناً إن شاء الله

ولقد كان عندي بازي طريف، ومن طرافته أنه كان بَطّال المطعمة، فأصلحت له مطعمة من ذهب يُشَد عليها بخيط إلى ساقه، فكان يصيد كل يوم ثلاث إوَزّات، وما أصاب من النحام، وكان من الفُرْه الذين سبيلهم أن يوصَفوا، وكان يسمى الأقطع، وكان أخضر يضرب إلى الشهبة، وما رأيت مثله بفرد كف أفره منه، ولسنا نبقي ما تتعلق به الفراهة إلا ونذكره، ولقد كان عندي بازي أصفر مدبج الظهر وكان فرخاً فارهاً على طير الماء، ولم ار افره منه على الغربان لأنه كان يصيدها طائرة وواقعة، وما علمت أن شيئاً من صيده أفلت منه

وكان عندي بازي حمل إلينا من دمشق، وقيل أنه من بعلبك، أصفر اللون وكان من الفراهة على حال مشكورة، لا سيما على طير الماء، وما علمت أني رأيت مثله، وصاد البلشون من على يدي، وخرجت به إلى الريف فصاد الدراج، حتى أنه لم تكن تسقط له دراجة إلى الأرض، وأقام سنين لا تتغير فراهته، ثم أنه بعد ذلك أصابه بَشَم ووقع في السلّ، وهو من العلل التي لا دواء لها، وما رأيت بازياً قط خلص منها ولا سمع به، ولقد عالجناه منها فبريء ونحن نذكر الدواء

فمن نظر في كتابنا هذا وعالج به السل فنفعه علم أنه قد أتفق لنا دواء صحيح غريب. وكان على ثقة منه، وإن لم ينفع فغير منكر أن يكون البرء في ذلك البازي، أتفق لنا لا على أنه دواء له في الحقيقة، لأنا لم نجربه في غيره، ولم يجز لنا كتمانه، فذكرناه لا تفاق السلامة به، واعتذرنا لأنا لم نرجع منه إلى ثقة بطول التجربة

وأعلم أن أهل العراق لم يقدموا البازي حتى خبروه، فلذلك قدموه في كتبهم وهو أهل لذلك لحسنه، ولما يحدث من فراهته عندهم في العراق، وهي عندنا أقل فراهة منها عندهم

وقد ذكرنا ما رأيناه من الفره وصدفنا عنها. ولم يبق شيء من الجوارح كلها كبيرها وصغيرها حتى لعبنا به. ولم نضع هذا الكتاب إلا بعد الاختبار لسائرها والمشاهدة لها، فنحن نرجع منه إلى ثقة، وكذلك الناظر فيه يرجع إلى ثقة فيما يلتمسه من أول أحوال الجارح في توحشه، إلى حال أنسه وفراهته، ولم نقتصر على ما ذكره من تقدمنا حتى زدنا عليه أشياء لم ينته إليها علمه ولا تجربته

وقُصارى من جاء بعدنا أن يقف حيث وقفنا متى أتفق له من ممارسة الجوارح ما اتفق لنا بمولانا صلى الله عليه في مثل المدة الطويلة التي ذكرناها، وبعيد أن يتفق لمن يكون بعدنا ذلك، وحتى تخرجه الدربة والممارسة إلى ما أخرجتنا إليه حتى إنا نخير من طاعمنا (؟) ونعطيه من عدّة بزاة افرهها ونأخذ الأدون منها، فنلحقهم في صيدهم بالأدون، وأن سبقونا في خيارهم للأفضل الأفره

ولقد بلغنا في صيد البازي خبر عجيب لم نسمع بمثله، وذلك أن مسلماً دخل إلى بلد الروم، فسمع من الروم رجلاً يدعو البازي، وأنه وقف لينظر ما يصيده، فخرج إليه بازي كبير فأخذه وذبحه، ثم أنه دعا فخرج إليه آخر أحسن من الأول فذبحه، قال المسلم: فصعب ذلك من فعله علّي، وجعلت على نفسي أن أقتله أن ظفرت به، بعد أن اسأله عما أوجب ذبح البازيين، قال: ثم أن الرومي دعا له بازي دقيق الشية دون الأولين في الكبر والحسن، فأخذه وسُرّ وغَنى ورقص، وأخرج إداوة مملوءة نبيذاً قال: فشرب حتى نام سكراً فأوثقت كتافه فأستيقظ وقال لي بلسانه، وكنت أعرف الرومية، بحق نبيك لا تقتلني، فقلت: أمش وإلا قتلتك، فمشى معي مكتوفاً وأخذت شباكه وآلة صيده

فلما وصلت به إلى منزلي قلت حدثني لم ذبحت البازيين؟ فقال: أحدثك بعد أن تحلف لي بنبيك إلا تقتلني، وأن تطلقني، فلما توثق مني باليمين، قال: حملني على ذبح البازيين أنهما لم يكونا خالصين، وكان قد ضرب فيهما الصرر (؟) وهذا البازي اللطيف خالص وهو يصيد الكركي. فقلت أرني كيف يصيده فقال: نعم، وعزم إلا يخيطه، فلم أفعل شفقة عليه، فبعد أن مضت له جمعة شَرقَه فهو على يده إذ رأى كراكي طائرة فواثبها، ثم أنه بعد ذلك فتحه وقال: سر لترى منه ما وعدتك من صيده، فخرجت معه فرأى الكراكي، فأرسله عليها، فدخل فصاد منها واحداً، ثم قال لي: هذا هو الخالص من البزاة فأعبقته. وهذا حسن إن كان صحيحاً لأنني لم أره بل حُدّثت به بمحضر من جماعة فاستحسنته وأثبته في كتابي هذا، ومن أسند فقد برئ من عهدة الحكاية

:مقالات ذات صلة

كلمة أخيرة

الهدف من رقمنة هذا الكتاب هو عصرنة تبويباته حتى يسهل وصول المعلومات القيمة التي في صفحات هذا الكتابِ القيمِ القارئَ العربي الذي أصبح يميل إلى قراءة مقاطع معينة من الكتاب فيصل إلى المعلومة التي يبحث عنها عوض قراءة الكتاب كله. فلا نهدف بأي طريقة من الطرق تحريف محتوى الكتب (القيمة) أو إنتقاص مضامينها سوى إيصال المعلومة المُراد الوصول إليها للقارئ العربي لا غير.

في الأخير, نأمل أن يكون قد ساعدك هذا المقال في الحصول على فهم أفضل لعلم البيزرة. لمزيد من المقالات عن علم البيزرة خاصة و عالم الحيوان عامة يرجى زيارة تصنيف الحيوانات الذي يحتوي على المزيد من هذه المقالات